كتب يوسف الشايب:
بالعرض الأول لفيلم "جَنين جِنين" للمخرج
محمد بكري، وبحضور عدد من شخصيّات الفيلم قادمة من مخيم جنين، ممّن شاركوا الجمهور
الذي غصّت به قاعة مسرح وسينماتك القصبة بمدينة رام الله، مساء أول من أمس، انطلقت
فعالية "النكبة سردية سينمائية"، وتتواصل حتى 20 أيار الجاري، مُشتملة على
خمسة عروض لأفلام يتأتى عرضها كما الحدث الثقافي الوطني، بالتزامن مع إحياء الشعب الفلسطيني
للذكرى السادسة والسبعين للنكبة.
يعود بكري في فيلمه الوثائقي إلى سابقه الذي حقق
شهرة عالمية، وأثار حنق دولة الاحتلال الإسرائيلي عليه، أي "جِنين جِنين"،
وأنجزه بينما كانت الدماء تنزف والجروح طازجة جدّاً في أزقة مخيم جنين، بعد مجزرة الاحتلال
فيها العام 2002، من بين مجازر عدّة متفرقة ارتكبتها الآلة الحربية العسكرية بجنودها
وضبّاطها في أنحاء الضفة الغربية، خلال اجتياحها بقرار من رئيس وزراء الاحتلال السابق
أريئيل شارون، فيما عُرف بعملية "السور الواقي" إسرائيليّاً ودوليّاً، وعُرف
شعبيّاً في فلسطين بـ"الاجتياح الكبير".
وظهر بكري بكامل صورته على الشاشة ليروي الحكاية،
فالتاريخ يعيد نفسه في مخيم جنين، مع فارق 23 عاماً، لتعود الاجتياحات المتكررة إلى
المخيم ويعود هو إلى التصوير مرّة أخرى متحدياً الاحتلال وجرائمه، وما قد يترتب على
عرض الفيلم هذه المرّة، بعد أكثر من عشرين عامًا في أروقة المحاكم والقرار الجائز إزاء
الفيلم الأول في 2002.
ويعيد بكري في "جَنين جِنين" إلى الأذهان
شخصيات محورية من فيلمه "جِنين جِنين"، كالشاب الأصم والأبكم محمود العموري
الذي يروي المجزرة بلغة الإشارة بطريقة مفزعة، ليلتقيه مجددًا بعد أكثر من عشرين عاماً،
ولم تتغير ملامحه كثيرًا، إلا أنه شاخ كما صاحب الفيلمين، وبات لديه ابن شهيد هو جميل
العموري من مؤسسي الجماعات المسلحة لمقاومة الاحتلال في المخيم، فكان هدفاً رفقة أصدقائه
لجيش الاحتلال الإسرائيلي وسلطاته المختلفة، فتم اغتياله في حادثة أسفرت عن استشهاد
ثلاثة من عناصر الأمن الفلسطيني، وإصابة واعتقال الآخرين، ما جعل منه أيقونة داخل المخيم
وخارجه، هو الذي كان في سن السادسة عند اجتياح 2002.
ومن بين الشخصيات التي استعادها المخيم تلك الطفلة
التي باتت أيقونة، بصوتها الواثق، ونظرات عينيها المتحدية التي تحمل فيما وراءها الكثير
من الحزن والغضب في آن، بمقولتها الشهيرة "الأمهات ما خلصوش، راح نضل ننجب أطفال،
وننجب رجال، أقوى من اللي راحوا"، لتعود متشحة بالسواد، مؤكدة أن أيا كان لم يكن
قادرًا على تلقينها ما قالته، لكنها الظروف الصعبة، التي جعلتها تكبر في أيام خلال
اجتياح 2002، فشاخت الكلمات كما هم، لذا بدا ما قالته، حينذاك، أكبر من عمرها، هي التي
باتت أمًّا لهند، وراشد، وناصر، ونورا، وتعيش في الإمارات.
وفي السرد المصوّر ما بين عشرين عاماً، يرافق الصحافي
علي السمودي المخرج محمد بكري، في إطلالات متفرقة على مدار ساعة هي مدّة الفيلم بنسخة
العام 2024، ليس فقط في استعادة، وملاحقة من أمكن من شخصيات "جِنين جنين"
لمعرفة مآلاتهم، بل في الإضاءة على حكايات لمنكوبين جدد، ما يؤهل لـ"جنين
2050" مثلاً.
وكان جاد الغزاوي، وكيل وزارة الثقافة أشار في
كلمة له، معلناً انطلاق فعالية "النكبة سردية سينمائية"، التي تجعلنا
"على اتصال مع جرحنا القديم المتوارث منذ عام 1948، وربّما قبل ذلك"، ومن
"أجل تقاسم الأمل أيضاً، الذي يجب أن نراه في عيون أطفالنا لمستقبلنا على أرضنا،
وحتى تنتصر الإنسانية محور قضيّتنا العادلة"، واصفاً النكبة بأنها "فعل متواصل
وممتد ولم يتوقف منذ ستة وسبعين عاماً"، مشدداً على أن الفعالية ليست مجرد عروض
لأفلام، على أهمية ذلك في تشكيل الرواية الفلسطينية ومقاومة رواية الاحتلال، بل هي
"انعكاس لمعمارية الوجود الفلسطيني المُعبّر عن قوّة الإرادة، والحياة، والحريّة،
والبقاء، رغم كل ما نعيشه من قتل، وتعذيب، وتهجير، وتجويع".
أمّا جورج إبراهيم، مؤسس مسرح وسينماتك القصبة
ومديره الفنّي، فشدد على أن الفعالية تحيي ذكرى "أكبر سرقة في التاريخ الحديث،
نفذتها العصابات الصهيونية عام 1948"، عبر عروض لأفلام وثّقت لتلك الفظائع ونتائجها،
واستمرارية العدوان الإسرائيلي على تفاصيل الحياة اليوميّة للشعب الفلسطيني، وسرقة
ما تبقّى من الوطن".
جدير بالذكر، أن الفعالية تشتمل علاوة على عروض
لأفلام: "قهوة لكل الأمم" للمخرجة وفاء جميل مديرة المهرجان الفلسطيني في
إسكندنافيا، و"يافا أم الغريب" للمخرج رائد دزدار، و"الزمن المتبقي"
للمخرج إيليا سليمان، و"عباس 36" للمخرجتين مروة جبارة الطيبي ونضال رافع،
علاوة على العرض الافتتاحي بفيلم "جَنين جِنين".